في مثل هذه الأيام من العام الماضي كنت قد إنتهيت من إمتحانات نهاية الفصل الدراسي
العام ولقد كنت سعيدا جدا لأنني قد أنهيت أصعب سنة دراسية سأواجها أثناء
دراستي في الجامعة ولقد إلتُقطت صورة لي وأنا أطير في الهواء ولقد رآها
أُناس كثيرون لدرجة أنهم تصوروا أني قد أنهيت دراستي الجامعية. إنهم مساكين
حقا فهم لا يعرفون أن ثمة أشياء في حياتنا تجعلنا نطير من الفرحة.. فالطفل
يطير إلي أبيه حينما يراه عائدا من العمل ويهلهل فرحا " هيه هيه بابا جه
بابا جه " والطالب يطير من الفرحة عندما يري شهادته مكتوب فيها " مبروك
أنت ناجح ومنقول إلي الصف الثالث " والفتاة أيضا تطير من الفرحة حينما
تعلم أن شابا أتي إلي خطبتها والمريض يطير من الفرحة حينما يعافي من
مرضه , بينما أنا ففرحتي مختلفة فأنا أفرح عندما ينزل أبي من الطائرة التي
نقلته من السعودية إلي مصر.. ما أحلي عودة الأب إلي الوطن !!
عودة إلي موضوعنا من جديد حتي لا أطيل عليكم لقد أنهيت الكوابيس أعني الإمتحانات وعدت حينها إلي قريتي وأنا في قمة السعادة . أردد في ذاتي أخيرا سأري عائلتي وجيراني وأصحابي وكما يقولون " يا فرحة ما تمت " لم ألبث إلا عدة أيام إلا وقد أتي الحزن يطرق أبوابي من جديد . كنت جالسا حينها أتصفح الإنترنت وإذا بأمي تخبرني أن والد صديقتك التي كانت تدرس معك في المراحل الدراسية المختلفة أعني الإبتدائية والإعدادية والثانوية قد مرض مرضا شديدا ولقد توفي علي إثر هذا المرض !! .. في الواقع أمي لم تكن تعرف أن صديقتي هذه هي حبيبتي التي أحببتها طفلا و عشقتها شابا وسأتزوجها شيخا . إلي الأبد ستظل هي حبيبتي ... وقع الخبر علي كالصاعقة .. ماذا يجب عليً أن أفعل ويا تُري كيف حالها الآن .. أسئلة كثيرة جالت حينها في خاطري لم أجد لها إجابة ولكن ما كنت أعرفه جيدا أنني يجب أن أقف بجانبها في هذه المحنة الصعبة .. يجب أنا أتصل بها وأواسيها ولكنني لم أجد رقم هاتفها علي هاتفي المحمول .. لقد إتفقنا أنا وهي علي أن نفترق لبُرهة من الزمن ويبدو أنها قد غيرت رقم هاتفها.. عرفت من أمي أن عائلته تحاول أن تعيده من الخارج لكي يدفن في أرض الوطن ولكن الأمر يتطلب بعض الأوراق وأيضا عدة أيام .. ربما يسئل قارئ كيف عرفت والدتك كل هذا ؟ الإجابة أنها كانت وما زالت صديقة لوالدة حبيبتي .. لقد درسن أيضا في مدرسة واحدة مع بعضهما البعض .. وكانا أيضا أصدقاء .. أخبرتني أيضا أن صديقتك ما زالت في القاهرة تؤدي آخر إمتحان لها وأهلها لا يريدون أن يخبروها بموت أبيها إلا حينما تنتهي من إمتحان هذه المادة .. ياله من شئ مؤلم حقا .. فما أصعب من أن يكون أباك ميت وأنت لا تعرف وتضحك وتلهو وكأن شيئا سيئا لم يحدث .. كنت دائما أود أن أصرخ في وجه أمي وأقول لها " توقفي عن ترديد هذه الكلمة فهي ليست بصديقتي بل هي حبيبتي " .. بعد ذلك حمدت الله أنني لم أجد رقم هاتفها علي هاتفي المحمول .. فلو كنت وجدت رقمها كنت سأتصل بها لمواساتها وكانت ستعرف مني أن أباها قد توفاه الله وهذا كان سيؤثر سلبيا بالطبع علي تركيزها للمادة الأخيرة لها في الإمتحانات . ماذا كنت ستفعل أيها الأحمق !! رددتها لذاتي .. ربما لو كنت فعلت ذلك لأضعت مستقبلها وتفوقها الدراسي .. فلقد كانت دائما من الأوائل .. دائما كانت مميزة عن الآخرين .. كنت أسعد برؤيتها في طابور الصباح .. كنت أطير من السعادة عندما أقف بجانبها في الإذاعة المدرسية .. كما أن قلبي ايضا كان يرتجف حينما تنطق بإسمي وتقول " ومع كلمة اليوم والتلميذ أيمن خالد " ... ثمة مواقف في حياتنا تقبع في الذاكرة .. لا تٌنسي .. و بمجرد التفكير فيها تجد القلب يبتسم .. كانت دائما الأولي علي الفصل وأنا دائما ما كنت أحصل علي المركز الثاني .... دائما ما كنت أسعي إلي الحصول علي المركز الأول .. لا.. لا.. أنا أكذب.. لم أهدف في حياتي أبدأ إلي الحصول علي المركز الأول ولكني دائما ما كنت أسعي لأن أكون مميزاً عن الآخرين .. شعور جميل أن تكون مميزا عن الآخرين سواء في دراستك أو في إسلوبك وطريقة تعاملك أو حتي أيضا ملابسك ... الشخص الروتيني دائما ما يكون شخصا مملاً .. ربما كنت أود الحصول علي المركز الأول لأكسر فقط كبرياء هذه الفتاة وبالفعل نجحت أن أئتي في المقدمة مرتين من أصل ست مرات .. مرة وأنا في الصف الثالث الإبتدائي ومرة وأنا في الصف السادس الإبتدائي .
علمت أنها عادت بسلام إلي بيتها بعد أن أدت آخر إمتحان لها .. كنت أكأد أن أُجن .. لا أعلم كيف حالها وفي الوقت ذاته لا أستطيع الإتصال بها .. كنت أود الذهاب إلي بيتها لأطمئن عليها بنفسي .. فبيتها يقرب من بيتي مسافة ربع الساعة مشيا علي الأقدام .
لقد كنت أتألم لتألمها.. وأتعذب لعذابها .. لقد كنت أشعر أحقا بألمها وحٌرقتها علي فراق أبيها .. كنت أسمع كل صرخة آه كانت تنادي بها.. لدرجة أن جميع أفراد أسرتي قد لاحظو أنني لست في حالتي المعهودة في هذا الحين من الوقت .. لقد كانو لا يعرفون أننا كالجسد الواحد فإذا إشتكت هي تداعيت لها أنا بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى .فلقد كانت حقاً تمر بأحلك أيامها .. كنت أدعو لها في صلاتي أن يرزقها الله الصبر وأن يعينها ع الإيمان بقضاء الله وقدره .. . عاد أبيها من السعودية ولقد علمت أنه سوف يتم دفنه في الساعة الواحدة صباحا .. ذهبت إلي صلاة الجنازة وحضرت أيضا الدفنة في المقابر .. لقد كان الجو مظلما للغاية .. إنه الموت يأتي أينما يشاء وأينما كنا .. لقد أدركت حينها أن الموت هو الحقيقة المؤكدة التي يجب أن ندركها في هذه الحياة .. يجب أن ندرك أننا سنوضع يوما ما تحت التراب .. فهلا عملنا لآخرتنا فلربما نموت غدا ؟؟ .. يارب .. اللهم إني أعلم إني عاصيك وأعلم أن أمري كله بيدك .. فقربني إليك وإهدني .. وإجعلني زخرا نافعا لأمتي وأحسن آخرتي .. آمين يارب
في هذا اليوم كنت قد رأيت أيضا أخيها الأكبر يتألم ع فراق أبيه ويبكي بحرقة ويردد بأعلي صوته " أبويا أبويا ماليش غيرك في الدنيا " .. كنت أتسائل إذا كان هذا الحال الذي قد آل إليه الإبن فما الحال الذي آآلت إليه البنت ؟؟ .. لاشك أن المرأة أضعف من الرجل في مثل هذه المواقف.. لقد قرأت يوما " أن الموت ليس لمن يموت ولكن الموت للآخرين ".. فالآخرين هم من يتألمون جسدياً وروحياً بفراق أحبابهم .. الميت يذهب لكي يلقي مسواه الأخير .. فإن عمل صالحا فلنفسه وإن أساء فعليها .. يذهب ويترك الآخرين يتألمون وتبقي الذكريات التي كانت بين الميت وأهله .. ما أصعب الموت حقا !!
لقد إستطعت الإتيان برقم هاتفها المحمول من إحدى صديقاتها وقررت أن أرسل لها رسالة برغم سرقة هاتفي القديم الذي كانت عليه الرسالة إلا أنني أتذكر نص الرسالة كما أتذكر تماما إسمي . ثمة مواقف في حياتنا إن نساها العقل لا يمكن للقلب أن ينساها .. كان نصها كالتالي " وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون " .. معلش يا " إسم الفتاة " وكان نفسي أبقي جنبك في حاجة زي كده .. عايزك تبقي قوية وتؤمني بربنا وتدعيله إن ربنا يغفرله وتقفي جنب ماما كده وأنا هبقي إتصل بيكي بكره تكون هديتي شوية وربنا يصبرك " .. وفي اليوم التالي إتصلت بها وأخذت أردد لها بعض الآيات والكلمات لعلي أخفف من آلامها بعض الشئ.
فرحمة الله عليك يا عمي وأسال الله أن يغفر لك ذنبك وأن يرزقك الجنة.
27/6/2013
عودة إلي موضوعنا من جديد حتي لا أطيل عليكم لقد أنهيت الكوابيس أعني الإمتحانات وعدت حينها إلي قريتي وأنا في قمة السعادة . أردد في ذاتي أخيرا سأري عائلتي وجيراني وأصحابي وكما يقولون " يا فرحة ما تمت " لم ألبث إلا عدة أيام إلا وقد أتي الحزن يطرق أبوابي من جديد . كنت جالسا حينها أتصفح الإنترنت وإذا بأمي تخبرني أن والد صديقتك التي كانت تدرس معك في المراحل الدراسية المختلفة أعني الإبتدائية والإعدادية والثانوية قد مرض مرضا شديدا ولقد توفي علي إثر هذا المرض !! .. في الواقع أمي لم تكن تعرف أن صديقتي هذه هي حبيبتي التي أحببتها طفلا و عشقتها شابا وسأتزوجها شيخا . إلي الأبد ستظل هي حبيبتي ... وقع الخبر علي كالصاعقة .. ماذا يجب عليً أن أفعل ويا تُري كيف حالها الآن .. أسئلة كثيرة جالت حينها في خاطري لم أجد لها إجابة ولكن ما كنت أعرفه جيدا أنني يجب أن أقف بجانبها في هذه المحنة الصعبة .. يجب أنا أتصل بها وأواسيها ولكنني لم أجد رقم هاتفها علي هاتفي المحمول .. لقد إتفقنا أنا وهي علي أن نفترق لبُرهة من الزمن ويبدو أنها قد غيرت رقم هاتفها.. عرفت من أمي أن عائلته تحاول أن تعيده من الخارج لكي يدفن في أرض الوطن ولكن الأمر يتطلب بعض الأوراق وأيضا عدة أيام .. ربما يسئل قارئ كيف عرفت والدتك كل هذا ؟ الإجابة أنها كانت وما زالت صديقة لوالدة حبيبتي .. لقد درسن أيضا في مدرسة واحدة مع بعضهما البعض .. وكانا أيضا أصدقاء .. أخبرتني أيضا أن صديقتك ما زالت في القاهرة تؤدي آخر إمتحان لها وأهلها لا يريدون أن يخبروها بموت أبيها إلا حينما تنتهي من إمتحان هذه المادة .. ياله من شئ مؤلم حقا .. فما أصعب من أن يكون أباك ميت وأنت لا تعرف وتضحك وتلهو وكأن شيئا سيئا لم يحدث .. كنت دائما أود أن أصرخ في وجه أمي وأقول لها " توقفي عن ترديد هذه الكلمة فهي ليست بصديقتي بل هي حبيبتي " .. بعد ذلك حمدت الله أنني لم أجد رقم هاتفها علي هاتفي المحمول .. فلو كنت وجدت رقمها كنت سأتصل بها لمواساتها وكانت ستعرف مني أن أباها قد توفاه الله وهذا كان سيؤثر سلبيا بالطبع علي تركيزها للمادة الأخيرة لها في الإمتحانات . ماذا كنت ستفعل أيها الأحمق !! رددتها لذاتي .. ربما لو كنت فعلت ذلك لأضعت مستقبلها وتفوقها الدراسي .. فلقد كانت دائما من الأوائل .. دائما كانت مميزة عن الآخرين .. كنت أسعد برؤيتها في طابور الصباح .. كنت أطير من السعادة عندما أقف بجانبها في الإذاعة المدرسية .. كما أن قلبي ايضا كان يرتجف حينما تنطق بإسمي وتقول " ومع كلمة اليوم والتلميذ أيمن خالد " ... ثمة مواقف في حياتنا تقبع في الذاكرة .. لا تٌنسي .. و بمجرد التفكير فيها تجد القلب يبتسم .. كانت دائما الأولي علي الفصل وأنا دائما ما كنت أحصل علي المركز الثاني .... دائما ما كنت أسعي إلي الحصول علي المركز الأول .. لا.. لا.. أنا أكذب.. لم أهدف في حياتي أبدأ إلي الحصول علي المركز الأول ولكني دائما ما كنت أسعي لأن أكون مميزاً عن الآخرين .. شعور جميل أن تكون مميزا عن الآخرين سواء في دراستك أو في إسلوبك وطريقة تعاملك أو حتي أيضا ملابسك ... الشخص الروتيني دائما ما يكون شخصا مملاً .. ربما كنت أود الحصول علي المركز الأول لأكسر فقط كبرياء هذه الفتاة وبالفعل نجحت أن أئتي في المقدمة مرتين من أصل ست مرات .. مرة وأنا في الصف الثالث الإبتدائي ومرة وأنا في الصف السادس الإبتدائي .
علمت أنها عادت بسلام إلي بيتها بعد أن أدت آخر إمتحان لها .. كنت أكأد أن أُجن .. لا أعلم كيف حالها وفي الوقت ذاته لا أستطيع الإتصال بها .. كنت أود الذهاب إلي بيتها لأطمئن عليها بنفسي .. فبيتها يقرب من بيتي مسافة ربع الساعة مشيا علي الأقدام .
لقد كنت أتألم لتألمها.. وأتعذب لعذابها .. لقد كنت أشعر أحقا بألمها وحٌرقتها علي فراق أبيها .. كنت أسمع كل صرخة آه كانت تنادي بها.. لدرجة أن جميع أفراد أسرتي قد لاحظو أنني لست في حالتي المعهودة في هذا الحين من الوقت .. لقد كانو لا يعرفون أننا كالجسد الواحد فإذا إشتكت هي تداعيت لها أنا بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى .فلقد كانت حقاً تمر بأحلك أيامها .. كنت أدعو لها في صلاتي أن يرزقها الله الصبر وأن يعينها ع الإيمان بقضاء الله وقدره .. . عاد أبيها من السعودية ولقد علمت أنه سوف يتم دفنه في الساعة الواحدة صباحا .. ذهبت إلي صلاة الجنازة وحضرت أيضا الدفنة في المقابر .. لقد كان الجو مظلما للغاية .. إنه الموت يأتي أينما يشاء وأينما كنا .. لقد أدركت حينها أن الموت هو الحقيقة المؤكدة التي يجب أن ندركها في هذه الحياة .. يجب أن ندرك أننا سنوضع يوما ما تحت التراب .. فهلا عملنا لآخرتنا فلربما نموت غدا ؟؟ .. يارب .. اللهم إني أعلم إني عاصيك وأعلم أن أمري كله بيدك .. فقربني إليك وإهدني .. وإجعلني زخرا نافعا لأمتي وأحسن آخرتي .. آمين يارب
في هذا اليوم كنت قد رأيت أيضا أخيها الأكبر يتألم ع فراق أبيه ويبكي بحرقة ويردد بأعلي صوته " أبويا أبويا ماليش غيرك في الدنيا " .. كنت أتسائل إذا كان هذا الحال الذي قد آل إليه الإبن فما الحال الذي آآلت إليه البنت ؟؟ .. لاشك أن المرأة أضعف من الرجل في مثل هذه المواقف.. لقد قرأت يوما " أن الموت ليس لمن يموت ولكن الموت للآخرين ".. فالآخرين هم من يتألمون جسدياً وروحياً بفراق أحبابهم .. الميت يذهب لكي يلقي مسواه الأخير .. فإن عمل صالحا فلنفسه وإن أساء فعليها .. يذهب ويترك الآخرين يتألمون وتبقي الذكريات التي كانت بين الميت وأهله .. ما أصعب الموت حقا !!
لقد إستطعت الإتيان برقم هاتفها المحمول من إحدى صديقاتها وقررت أن أرسل لها رسالة برغم سرقة هاتفي القديم الذي كانت عليه الرسالة إلا أنني أتذكر نص الرسالة كما أتذكر تماما إسمي . ثمة مواقف في حياتنا إن نساها العقل لا يمكن للقلب أن ينساها .. كان نصها كالتالي " وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون " .. معلش يا " إسم الفتاة " وكان نفسي أبقي جنبك في حاجة زي كده .. عايزك تبقي قوية وتؤمني بربنا وتدعيله إن ربنا يغفرله وتقفي جنب ماما كده وأنا هبقي إتصل بيكي بكره تكون هديتي شوية وربنا يصبرك " .. وفي اليوم التالي إتصلت بها وأخذت أردد لها بعض الآيات والكلمات لعلي أخفف من آلامها بعض الشئ.
فرحمة الله عليك يا عمي وأسال الله أن يغفر لك ذنبك وأن يرزقك الجنة.
27/6/2013
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق